آليات القوة

آليات القوة

تقدم السخرية السوداء الجريئة التي ابتدعها فان عتيقي في كتابة "الكهف 72" والتي تتناول الحياة والموت في برازافيل تقريراً عالميّاً مخيفاً عن مجتمع اختطفته الشعبوية والديكتاتورية.
Fann Attiki
Bildunterschrift
Fann Attiki
Cave 72

Fann Attiki | Cave 72 | JC Lattès | 256 pages | 20 EUR

إن مثل هذه الروايات التي تريدها في كل بلد تقريبًا، نادرة جدًا: روايات سياسية لكنها شاعرية، لاذعة ووحشية، إلا انها رقيقة ومتعاطفة في الوقت ذاته.

 هكذا هي رواية فان عتيقي Cave 72 التي حازت على جائزة "صوت أفريقيا" في عام 2021 ونُشرت باللغة الفرنسية، وتظهر الآن أيضًا باللغة الألمانية. رغم انها رواية عتيقي الأولى والتي تقع في أكثر من 200 صفحة بقليل، فإن الكاتب نجح على عدة مستويات في جعل هذه الصفحات تبدو أطول وأكثر عمقاً مما يوحي به عددها. 

لا يقتصر الأمر على كونها رواية حضرية كثيفة عن برازافيل، عاصمة جمهورية الكونغو "الصغيرة" - مقابل الكونغو الكبيرة وكينشاسا - حيث لا يتعرف القارئ من خلالها على الأحياء والأماكن على ضفاف الكونغو فحسب, بل أيضًا على الحياة اليومية لأبطال عتيقي الذين يعيشون في أجزاء مختلفة من المدينة، ويلتقون في مكان واحد هو "الكهف 72"، وهو حانة صغيرة في برازافيل تعود الى ما فوالا، ولكن الجميع يسميها "مامان ناسيونال". من هنا تبدأ رواية عتيقي، من هذا المكان ينسج سرداً دقيقاً ومخاتلاً  يربط بين البنى الاجتماعية لمدينة برازافيل ويفككها. لكنه يذهب أبعد من ذلك فيكشف أيضاً عن البنى السياسية للمدينة والمجتمع.

يستخدم عتيقي أداة اجتماعية، كانت ولا تزال وسيلة قوية لتزييف الواقع بالأكاذيب، حتى قبل أيام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له، وليس فقط في أفريقيا الوسطى فقط. إن ما يُعرف بـ "راديو الرصيف" أو "مطحنة الشائعات" المرتبطة بعمق بالحالة الإنسانية - والتي كتب عنها ديودون مبالا نكانغا مقالا رائعا عام ١٩٩٢ ، يصبح أكثر تفجيرًا في عمل عتيقي، الذي دخل عالم الأدب عبر ورشة للـ"سلام" في عام 2011، حيث دمج هذه الظاهرة مع الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، فإن كل شيء يبدأ كما بدأ دائمًا عندما تُسخَّر خُبث الطبيعة البشرية للكلمة:> في عام 1992، هي أكثر تفجراً في عمل عتيقي، الذي اكتشف الأدب من خلال ورشة عمل في عام 2011، بالاقتران مع الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن كل شيء يبدأ عادةً كما هو الحال دائمًا عندما يستخدم الغدر البشري الكلمة:

"هذا الشك تحوّل الى حكاية، والحكاية شقّت طريقها. انتقلت من مقعد دراسي إلى آخر، مبحرة بثقة إلى أبعد ما يمكن أن تحملها الرياح."

يزداد وقع ذلك ألماً  في الكهف 72 ، لأن عتيقي تمكن من إدراج جميع الطبقات الاجتماعية في سرديته. ونتيجة لذلك، لا يُظهر فقط مدى سهولة تحوّل المواطنين العاديين إلى بيادق في صراعات على السلطة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل أيضًا كيف تعمل الأنظمة الاستبدادية في نهاية المطاف وتعيد مراراً إنتاج نفسها. 

لا يقتصر الأمر على المشاهد اليومية المتقنة لمدينة كبيرة في وسط أفريقيا مثل برازافيل التي تثير الدهشة، بل أيضًا التعاطف االانساني المذهل الذي يطور به عتيقي شخصياته. واللافت أن هذا التعاطف لا يقتصر على "ضحايا" المؤامرة المصوّرة في الرواية، بل أيضًا تعاطف مع الجناة بطريقة ساخرة تنضح بالمفارقة. لا يتوقف عتيقي حتى عند الممثل الأعلى للدولة، والذي يكاد يكون هناك تشابه غريب بين الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية وزوجته. 

فان عتيقي وقصته ”السقوط“ على موقع ”ليتيراتور ريفيو“

بالطبع، لم يكن عتيقي يعرف ذلك عندما كتب روايته قبل أكثر من خمس سنوات، ولكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن النظام والوضع السياسي، وليس الأشخاص أنفسهم، هو الذي يفسد المتورطين في النهاية. على هذا النحو، فإن رواية عتيقي، على الرغم من كل ما فيها من سخرية، هي أيضًا تحذير جاد للغاية بشأن ما يمكن أن ينتظرنا في مواجهة المعضلة الشعبوية في عالمنا الغربي.

كتاب تمت مراجعته