مئة قصيدة وستون شاعرة لبنانية في "الغسق"

مئة قصيدة وستون شاعرة لبنانية في "الغسق"

كتاب جمع جسد الشعر المشتّت ومنحه أصواتاً بلغات مختلفة
Iman Humaydan
Bildunterschrift
Iman Humaydan
Dusk

Nada Ghosn & Paulina Spiechowicz | Dusk | Kaph Books | 416 pages | 35 EUR

"الغسق" عنوان شاعري لكتاب صدر نهاية عام ٢٠٢٤  عن دار aphكا، بيروت ، جُمعت فيه قصائد لشاعرات لبنانيات ينتمين لأجيال مختلفة. قامت بجمعه وتحقيقه المترجمة والشاعرة اللبنانية الفرنسية ندى غصن الى جانب الكاتبة البولندية بولينا سبيخوفيتش.

انها مبادرة مميزة إذ انها المرة الأولى التي يصدر فيها كتاب يقدم هذا العدد الكبير من الشاعرات. جمع الكتاب مئة قصيدة لستين شاعرة لبنانية ينتمين الى أجيال عدة منذ بداية القرن العشرين حتى اليوم. تعكس كل قصيدة جوانب من حكاية البلد لبنان كلوحة موزاييك مؤثرة تمنح العالم جماليات التعددية وتعكس خلفية ثقافية غنيّة تميز بها لبنان. رافقت القصائد في الأنطولوجيا المؤلفة من 416 صفحة، أعمال فنية ورسوم من شاعرات مساهمات مثل إيتيل عدنان، ولور غريب، وهوجيت كالان، وعفاف زريق، ومنار علي حسن، وجنى عيد. عكست الأعمال الشعرية والفنية التي قدّمها الكتاب تجارب نساء لا يقمن في لبنان فحسب، بل أيضا تجارب الشاعرات اللواتي يقمن في الشتات ويحملن لبنان الثقافة والتعدد في شعرهن. أتى الكتاب بلغات ثلاث، العربية والفرنسية والإنكليزية بمعنى أن كل قصيدة ظهرت مرات ثلاث مترجمة الى لغتين. كأن الترجمة أتت لتجمع ذلك الجسد المشتّت وتمنحه أصواتاً بلغات مختلفة. هذه المبادرة التي قامت بها تحريراً ندى غصن وبولينا سبيخوفيتش الى جانب الترجمة التي ساهمت بها ندى غصن مع ندى محمد ووفاء تارنوفسكي ولورا طراد، اتاحت لنا اكتشاف مواهب وقصائد جديدة وأساليب طليعية. كذلك قدمت لنا نحن القارئات والقراء فرصة تلمُّس تلك الحرية الأصيلة التي تتمتع بها الكتابة النسائية في لبنان على مدى قرن من الزمان متحدية المحرّمات والأشكال والأطر الفنية التقليدية. انها كتابة شعرية على تماس حيّ مع الكتابات العالمية المعاصرة.  

أفرحني ان يكون هذا الكتاب بين يديّ لافتقار عالم النشر في لبنان الى هذا النوع، ذلك ان الكتاب منح صوتاً للنساء اللواتي في كثير من الأحيان لم يكنّ مُمَثلات على النحو الكافي سواء في الدراسات الأدبية أم في الأوساط الثقافية، خاصة وان المرأة اللبنانية، كما أتى في مقدمة الكتاب، كانت في قلب الحراك الثوري في لبنان في تشرين الأول ٢٠١٩ ضد الفساد، وأظهرت التزاما سياسياً ومدنيا وأدبيا متميزا يستحق تسليط الضوء عليه من خلال الكتابات الأدبية. وما همني أكثر أن يشمل الكتاب على أعمال لشاعرات ولدن عشية الحرب اللبنانية. لهذا السبب اخترت من الانطولوجيا قصائد لثلاث شاعرات عشن الحرب وما بعد الحرب في لبنان كل على طريقتها وكتبن تجاربهن كل على طريقتها أيضا. قد يكون سبب اختياري لهن وليس لشاعرات ينتمين الى أجيال سابقة هو اهتمامي الخاص الادبي والبحثي بالمواضيع التي طرحها جيلي والجيل الذي تلا في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية ( من ١٩٧٥الى ١٩٩١)، مواضيع حول العنف ووقعه على الافراد في مدينة مقسمة مثل بيروت،  وحول الذاكرة واهميتها في خلق مساحة مشتركة وجامعة بين اللبنانيين وتأثير تلك المواضيع على الأدب واللغة. 
اخترت من انطولوجيا الغسق شاعرات ثلاث ولدن بين ١٩٥٨ و١٩٧٧، هن دارين حوماني، ليلى عيد، وسوزان عليوان.  أكبرهن أي ليلى عيد دخلت اتون الحرب الاهلية وهي في سنوات مراهقتها الاولى. قدمتُ قصيدة لكل شاعرة بلغات ثلاث. العربية وهي اللغة التي كتبت بها القصيدة ثم الترجمة الى الفرنسية والإنكليزية.
عاشت الشاعرات الثلاث الحرب الاهلية وما بعدها كل بطريقة مختلفة، بين السفر هربا من العنف خارج لبنان كسوزان عليوان، الى اللجوء طلباً للحماية من منطقة الى أخرى داخل لبنان كليلى عيد . وقد يصدف ان تهاجر احداهن خارج لبنان رغم انتهاء الحرب هربا من انعكاساتها على المجتمع والحياة فيه كما فعلت دارين حوماني التي تقيم حاليا في كندا. 

+++

سوزان عليوان ولادة  ١٩٧٤.  بسبب الحرب، قضت سنوات طفولتها ومراهقتها بين الأندلس وباريس والقاهرة. تخرجت عام 1997 من كلية الصحافة والإعلام من الجامعة الأمريكية في القاهرة . تقيم حالياً في بيروت. 
صدر لها (في طبعات خاصة  ومحدودة) أكثر من خمسة عشر مجموعة شعرية.

شمس مؤقتة
(مقاطع)

يغادرنا المكان.
مربعات الاسمنت أولاً، ثم المقاعد في إثرها.
الفراغُ المباغت
يفرضُ تأثيث الأرواح.

كان علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً وبياضاً
كأننا الحوائط التي تكوّن الزوايا
وتسند السقفَ والظلال.

كان على أصابعنا ألا ترتعش
وعلى الوقتِ
أن يمهلَنا قليلاً
كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى
غير البغيضة
غير قتامة ملابسنا.

لم نكن نشعر بخشونة البرد
أو بالخفافيش العالقة بصوف معاطفنا

كنا نسير
كالتماثيل
مقتنعين بأحجار من كهوفهم
كارثة لا تعني أحداً سوانا.

حملنا الصناديق
ومشينا نحلم
بخشب التوابيت يخضرُّ
يعود أشجاراً نتسلقها.
بقلوب صغيرة خبأناها في الجيوب
كعلبِ سجائر مجهولة لآبائنا
بخطوات متهدجة
أنهكتها الرطوبةُ في أصواتهم
بالمسافة حيناً
وحيناً بالسّعال 
نزحنا
من وهمٍ إلى آخر
جذوعاً تركل تشوهاتها في غبار.
(…)

الأبواب أغلقناها على خلافاتهم
سندير ظهورنا المقوسة ونمضي
وحيدين صوب اختلافنا
كشجر غادر غابته
سنقطع كل الجذور التي تصل ترابهم بقلوبنا
كأن الذين يسكنون الصراخ 
ليسوا إباءنا
كأننا قادرون على النمو والضحك 
بضوء قليل
دونهم.
(...)

هذه ليست مدينتي، أعلم.
الخواءُ ضيّق، ما من رفاق في هذا البلدِ البعيد يوسعون
الروح
والأمكنة.
أكثرُ وحدة من جثة لم تألف عتمتها بعد
الذين أخمدوا صرختي بتراب
عادوا إلى منازلهم
في انتظاره
سرير وامرأة
أدخن الفقد
رئتين متفحمتين تنتفضان بسعالك
كي أصنع غيماً يؤنس ظلي
وأجعل من السقف سماءً صغيرة.

+++

ليلى عيد شاعرة، قصصية، روائية، صحافية ورسامة لبنانية 
صدر لها ديوانا شعر. الأول بعنوان "من حيث لا يدري" والثاني "أحيانا أرقص لو تراني". ثم نشرت رواية بعنوان "حانة رقم ٢". ستُترجم روايتها الى الفرنسية ضمن مشروع ليلى ( اسم المشروع أيضا ليلى) بمبادرة من جمعية أطلس في مدينة أرل الفرنسية. نشرت قصائد لها في المجلات الثقافية والمنصات الشعرية في العالم العربي. صدر لها قصة قصيرة في كتاب بيروت نوار الصادر عن الدار النيويوركية اكاشيك بوكس.  الى جانب الكتابة اتجهت ليلى عيد مؤخراً الى الرسم.  

                                 
أنا ذلك الصوت

                  
هل سمعت خمسين جواداً يصهل
أنا ذلك الصوت
حين أشتهيك
أنا اليد تفكّ سرجك المتعب
وتشرق عرق الغياب عن الجبين  
ليتني أنا
صديقة الغيم الحميمة
نجمة
أو قاطعة طريق لأي شعاع
فأندسّ في سرّ شراشفها
المفلوشة حتى دائرة عينيك

ماذا أفعل باسمي 
لا أحد مثلك يناديني
أنا الذرّة المكسورة
تشحذ الإلتحام مع الأثير
أريد سرّ سفر الأشياء الغامض مرة 
لأطالكَ
لأتشكلّ
فأحني فمي على رمشكَ
وأقبّل أزمان نسائي التائهة فيك

أقاتل الليل
ليل الليل
ليل النهار
ولا أرى شمساً
إلا حيث تشرق
أنا في القطب المظلم عن وجهك
أقيم
خيولي تصهل حتى البكاء
خذني الى حيثكَ
حيثي
ثلج كثير من حولي
أنا
عطشى

+++ 

دارين حوماني

مواليد ١٩٧٧ لبنان. شاعرة وصحافية. محررة وكاتبة في موقع العربي الجديد. صدر لها ٧ مجموعات شعرية. مجموعتها السابعة والأخيرة صدرت عام ٢٠٢٢ بعنوان "عزيزتي بيروت... هنا مونتريال". أما القصيدة المنشورة في كتاب الغسق الذي نقدمه هنا فهي من مجموعتها السادسة بعنوان " أشجار غير آمنة".
دارين حوماني عضو في نادي القلم لبنان وفي اتحاد الكتّاب في كيبيك. وتقيم الكاتبة حاليا في كندا.


أكتبي الشعر أولاً

أكتبي الشعر أوّلاً
قبل أن تأخذي مقاس ضغطكِ
قبل تعليم أطفالكِ الدّروس اليوميّة
وقبل أن تبدئي التّفكير 
بالرّؤوس الملفوفة بالسّواد..
قريباً ستتوقف الحضارة 
عن تنشّق الشّتاء
وسنقبع بلا معنى
داخل عالمٍ إلكترونيّ
يفصل بيننا صحنٌ طائر
ووهمٌ عميق..
الأرض الداخليّة
التي بناها طفلٌ خشن اليدين
وحده يقف على الماء
وحوله الرّؤوس العميقة الظلمة
يريد أن يكتب الشّعر أوّلاً قبل التفكير
وقبل الدواء
وقبل الخروج مع أطفاله في نزهة يوم الأحد 
قبل الصورة الفوتوغرافية 
لمساعدةٍ منزليّةٍ سوداء  
تطمح أن يكون عندها هاتف نقّال 
وحسابٌ إلكترونيّ إجتماعي..
أريد أن أجلس معكَ على طاولة
وأن أحبّكَ أكثر
وأن أتمنّى لو رأيتكَ في بورتريه 
في فندقٍ مهجورٍ منذ عشرين عاماً 
فقد مرّ العمر كصورةٍ فورية
لا معنى في تجاعيدها 
سوى ثقل القدر
ومدى واسع يتسّع للهبوط مراراً
وفعل أي شيء 
إلا كتابة الشعر..
أنا تلك المرأة 
التي كان طفلٌ في داخلها 
يحلم بأكثر من هذه الحياة بكثير..
الآن تريد أن تخرج من المستنقع فقط
الذّي اسمه الحياة..
الحياة التي لم تستطع تبديلها
تتشعّب فيها 
مثل لحى رجال الدين
حيث الظلام يقبع 
دون الحاجة إلى كتب إضافية ..
ديسمبر يمرّ
في الزمان غير المناسب له
هذا ما أحسّه 
صورة لي منذ ديسمبر العام 1977
كانت تكفي لأحدّق في هذا الزمن مراراً 
بحزنٍ بالغ
وأقول 
أين أنتِ يا أوديت
الحقيقة كثيرة عليّ 
كنت أريد أن أقول لكِ شيئاً عن الحقيقة
أنها رماديّة 
ولها لحية مخيفة
لماذا أخرجتني من بطن أمي
هل كان ذلك ضروريّاً..
ثمّة أشياء لا يمكن حذفها
من مسار النحلة..
أريد فقط استراحة من الحقيقة
وأن أتنشّق من أحب
بصمتٍ مطلق..
الحقيقة تنشّ بالسواد 
الكتب الجرائد تنام في سريري
وأنا أريدكَ أكثر
لأنسى الحقيقة 
ولأكتب الشعر أولاً..


قامت بتحرير الكتاب كل من ندى غصن وبولينا سبيخوفيتش: 
    ندى غصن كاتبة وشاعرة مقيمة في باريس، تنقلت وعاشت في دول عربية مختلفة في الإمارات واليمن وسورية ولبنان والمغرب، وعملت في وسائل إعلام ومؤسسات ثقافية عدة. عملت كمترجمة منذ عام ٢٠٠٦ ترجمت العديد من المقالات والكتب الفنية والروايات ونصوص الأفلام والمسرحيات ومجموعات القصص القصيرة والشعر من العربية إلى الفرنسية. تغطي الثقافة بشكل منتظم للصحافة، أسست في عام 2018، منصة www.wordworld.online للترجمة والكتابة والتحرير باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية.
بولينا سبيخوفيتش مؤلفة ومؤرخة فنية من بولندا. تابعت دراستها في روما وباريس وبرلين. نشرت العديد من كتب الشعر ورواية، وكتبت للمسرح والسينما.

*تُطلب الأنطولوجيا من موقع: https://www.kaphbooks.com/.../dusk-anthology
 

كتاب تمت مراجعته