الانقسام الهائل

EccoCristina Henríquez | The Great Divide | Ecco | 336 pages | 24 USD
لحوالي أربعين عامًا، كنت أقول أمريكا دون تردد عندما أقصد الولايات المتحدة الأمريكية. لم يكن من نبهني الى الجهل الاستعماري الذي يعدّ جزءًا من الترسانة القياسية لصورة الولايات المتحدة الأمريكية عن نفسها - "نحن أميركا!"- سوى طالب متدرب جاء والداه إلى ألمانيا من إحدى دول أمريكا الوسطى. أأنا نفسي جاهلة ثقافياً أم مجرد عجوز كثيرة النسيان؟ - لم يعد بإمكاني تذكر بلد والديّ الأصلي أو اسم الطالب. ومع ذلك، فقد ترك اللقاء أثره. واليوم، إذا قال أحدهم حولي أمريكا وقصد الولايات المتحدة الأمريكية، أصحح له.
من المحتمل ان يكون هذا من روح الكاتبة الأمريكية كريستينا هنريكويز التي وضعت روايتها الانقسام الهائل The Great Divide في ما يعد على الارجح أهم تقاطع للقارة المزدوجة- قناة بنما. مثل العديد من المشاريع الهندسية الضخمة في العصر الحديث، تم تنفيذ بناء القناة بقسوة تكنوقراطية في العقدين الأولين من القرن العشرين. تتصدى هنريكيز للروايات الجيوسياسية والاستراتيجية المعتادة حول أهمية القناة بنسيج من القصص الفردية متعددة الطبقات.
هناك آدا البالغة من العمر 16 عامًا، والتي تأتي من بربادوس لكسب المال في المشروع الضخم من أجل عملية جراحية لشقيقتها. فرانشيسكو، صياد السمك الحزين الذي كاد أن يفقد ابنه عمر بسبب أعمال بناء القناة. أو جون، العالم الأمريكي الذي يريد القضاء على الملاريا ويفقد زوجته ماريان في هذه المحاولة. أو فالنتينا، التي تُنتزع من رتابة حياتها اليومية عندما تبدأ بتنظيم إحتجاج ضد إعادة التوطين القسري المخطط له في مسقط رأسها.
تواجه هنريكيس، وهي ابنة لأب بنمي وأم أمريكية، النظرة الاستعمارية للقناة من منظور الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحظى بشعبية كبيرة حاليًا في واشنطن، من خلال تقديم تغيير في الرؤية. لأن أي شخص ينظر إلى القناة من الجنوب أو من وسط القارة المزدوجة، يرى الانقسام بدلاً من الوحدة التي يُفترض أن تكون جوهر فكرة القناة. نظرة سريعة إلى الوراء: لم يكن انفصال مقاطعة بنما السابقة عن كولومبيا ممكناً إلّا من خلال تدخّل عسكري من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1903. وفي العام نفسه، أبرمت حكومة الولايات المتحدة ما يسمى بمعاهدة هاي بوناو فاريلا مع الحكام الجدد، والتي نصّت على منطقة سيادة أمريكية حول بناء القناة المخطط لها. بدأت أعمال البناء في عام 1904 تحت إشراف مهندسي الجيش الأمريكي. وبحلول عام ١٩١٤، أبحرت أول سفينة عبر الممر المائي الذي يبلغ طوله 82 كيلومتراً . تدور أحداث الرواية ضمن السنوات العشر التي تفصل بين بدء البناء والإنتهاء منه.
في نص هنريكيز تمّ تجريد ما كان يُعتبر قصة نجاح مذهلة من منظور استعماري، وردّه الى جوهر حقيقته الاجتماعية والاقتصادية: بناء القناة ليس أكثر من مجرد مشهد آخر من العرض الذي لا ينتهي على المسرح العالمي. في وسط أمريكا، يكدح الناس ويحبون ويخونون ويموتون ويأملون - بقليل من الحظ - وينجون. إن نمط العنصرية المنسوجة بعمق في الحياة اليومية منتشر في كل مكان، وتُعطى النساء في أحسن الأحوال أدوارًا تمثيلية مساندة، ولا تنطبق حقوق المشاركة في تقرير المصير الديمقراطية إلا على البنائين.
قامت كريستينا هنريكيز ببحث دقيق وشامل من أجل روايتها. وهي تحاول أن تتجاوز وفرة المادة التاريخية باسلوب أدبي واقعي يذكّر بروايات القرن التاسع عشر النقدية الاجتماعية. أما الانطلاقات السردية الى الواقعية السحرية المعروفة في ادب أمريكا الجنوبية والوسطى،فهي غالبا ما تتلاشى بعد بضع صفحات في التدفق السردي العام. ومع ذلك، فإن الميزة الكبرى للرواية هي أنها تنسج العديد من القصص الصغيرة لتبني الصورة الكبيرة لمشروع القرن هذا الذي لا يزال يقسم القارة المزدوجة حتى اليوم.