عالية ممدوح
عالية ممدوح ( 1944م -) كاتبة عراقية ولدت في بغداد، وأنهت في بغداد الدراسة الإبتدائية والثانوية ثم التحقت بالجامعة المستنصرية في قسم علم النفس وتخرجت منها عام 1971م. غادرت العراق في عام 1982 ولم تعد إليه . وتنقلت بين عواصم ومدن شتى ما بين مدينة بيروت والمغرب، برايتون، كاردف، ومونتريال، واستقرت مؤقتا في باريس في فرنسا .
حضور الرجل الغائب
ويوم آخر ..
( هذا المساء سيكون طعمه متغيراً )
منذ الصباح والمرأة لم تتوقف عن المشي والحركة، غسلت الممر المؤدي الى الحديقة الصغيرة التي اصطفت بها شجيرات يتيمة، قصيرة ، متدلية على بعضها ومترهلة في أكثر من جانب .
أخرجت القطة من مأواها وأمسكت بواحد من الصغار ، وجدته نافراً ، تقرفص قليلاً لكنه بعد ذلك أرخى أظافره بهدوء ..
مواء ... مواء ...
وبعد أن نفضت الأوساخ من داخل المأوى الخشبي الصغير ، أمسكت بالقطة الأم وتردّدت في الحديث معها . كان وجه القطة ملفوفاً بتلك النظرة التي تنقلب الى لعنة فيما اذا ازدادت حركة المرأة عن هذه الدرجة من الحنان ..
بس ... بس ...
وينتاب المرأة خدر غريب ، تتحسس وجهها الخشن ، وتفك ربطة رأسها الزرقاء المرشوشة بدوائر بيضاء وحمراء ، تمسكها بيدها ثم تضعها على شكل عامودي وتبدأ بتحريكها يميناً وشمالاً في مداعبة هؤلاء
الصغار وامهم تنظر بحذر والربطة ترتجف بين أصابعها وأحياناً تدخل في عراك بين أسنان قطة وأخرى
_ (آه أريد أن أناجي أحدا)
تركت باب المأوى مفتوحاً ، ووجهها يتعاظم فيه شيء من الاحباط والحوارات التي تفتحها لنفسها كانت ترصد باب الأجوبة عليها . .
منذ الصباح وهي تعزل بعض الأثاث ، هذه كنبه لا تجلب الحظ كثيراً ، جلس عليها زوجها يوماً ومات فوقها ، وهذا كرسي كلما تجلس عليه يتشتت فكرها عن ما تود قوله لمن حولها ولا تعرف جلب الانتباه لقضيتها ، إذا ماذا تبقى من الأثاث ؟
كل ما تملك ثلاثة كراسي من الخيص الخشبي ، وكنبه طويلة أرجلها الخلفية متآكلة وأخرى صغيرة، الا أنها كالمغارة كلما يجلس عليها أحدهم كان يدخل في شبه غيبوبة..
وسجادة عتيقة تغطي جانباً لا بأس به من الدار ، وستائر بلون التراب إلا أنها نظيفة .
سحبت الستائر ، وفتحت النافذة الكبيرة المطلة على الحديقة ، القطة تلحس أطفالها وهم متكومون فوقها كما يتكوم الصمغ على شقوق الشجرة .
هذا المساء ستتخاطب مع صوت حقيقي ، وسترتعد من الغبطة .
تترك النافذة ، وتدخل غرفتها ، تخرج من صرة كبيرة ملفوفة بعناية، مناشف بيضاء، ومشطا خشبياً ذا أسنان عريضة ، وحبة صابون كبيرة مكعبة مسكونة برائحة الهيل ..
وتننظر الى نفسها في المرآة .
امرأة أربعينية ، طويلة سمراء ، مكتنزة ، شعرها اسود فيه بعض الخشونة وعضلاتها قوية تتحكم فيها بعض القسوة وعيناها سوداوان حادتان تضج فيهما بعض الوحشة ، تحمل كل هذا ، تضعه على كرسي صغير قصير الأرجل خارج باب الحمام . .
( - آه لو كانت لي بنت لصرخت بها قائلة أن تجلب لي كل هذه الأغراض ولتركتها واقفة في الخارج لحين خروجي من الحمام ) .
تخلع ملابسها بسرعة ، ورغما عنها وبحركة بطيئة تستنفر كل اعضائها ، كان الحمام هو المكان الوحيد الذي تلهث داخله وتصرخ ولا تصرف جهداً لاخفاء خجلها من رؤية أعضائها ، ولا تتشنج في الاعتراف انها بدأت تشيخ . .
تفتح الصنبور وتنزل ألسنة الماء ساخنة ، يدوخها بخار الماء الساخن وتبدأ بفرك وجهها أولاً .
في ليلة عرسها فركت وجهها جيداً بنوع من الحجر حتى ادمته ، قالوا لها ان ذلك يجعل شرايين الوجه محتشدة بالدم النقي ، وقالوا لها أيضاً ان لون الوجه الأحمر يجلب من الرجل اللون الأخضر لكل مطامحها لكن الوجه استمر في الاشعاع ، والحظ انقطع .
تحك ظهرها بكف خشبيّة وتتأوه وتضحك ، ستظل امرأة شريفة فلا أحد سينتظر أن تصير مخلوقاً آخر .
في الزيارة الأخيرة للسوق الكبير ، كل خميس كان السوق الكبير ينهض في رأسها كالمعراج وتتشبث بها الأشياء الجديدة التي يخيل اليها أنها سترتديها ، والمجهول الذي يقطع وقتها من البيت الى السوق في انتظار شيء ما ، وكل الممكنات التي كانت تراها غير ممكنة تسترتق اليها السمع في كل زيارة للسوق الكبير .
هناك رأتها ،
نجمة على نحو متكبر ، فاجرة الجمال وتستحق الشتيمة ، عباءتها تسرب ضوء كاشفاً تختلج هي من خلاله
كالتائة ، كانت تنصب نظراتها على جميع الجهات ، واخيراً تستقر في عينيها . .
عندما صدمتها بغتة ، سقطت العباءة عن رأس يرتجف من الخجل ، ووجه يتردد بين المعصية والطهارة .
– لم أكن أنوي احراجك . .
لم ترد المرأة الأخرى ، لبثت ساكنة ، بريئة ، مروعة بشيء سيأتي ، ومالت الى الأمام ، وصارت وسط هذا الحشد كرة راجفة يتقاذفها الباعة ويرميها المشترون ، ولما فتحت ذراعيها استعجلت ضمها خشية السقوط ، نظراً الى بعض .
العينان اخترقهما عود ثقاب على وشك الاشتعال ، والجسدان حررا طاقة عالية من اللهب ، واصابعهما كان ينسل وسطهما عرق ورطوبة باردان . .
– كل خميس آتي هنا ، وأنت ؟
– لم ترد المرأة الأخرى .
– لم أرك من قبل ؟ هل أنت من هنا ؟
وكلسعة مأخوذة بما حولها ، ترد المرأة الأخرى ،
– انني في زيارة ،
– معك أحد ؟؟
– زوجي والاطفال في انتظاري في أول السوق ،
كيف لم تر هذا الوجه من قبل ، هذا الوجه الكتوم الصاحي المريب القابل للعشق ، وحين تهب للافلات منها تتشبث بها المرأة قائلة ، واختلطت الكلمات بأصوات الباعة وصراخ الاطفال وزعيق النساء اللاتي يشترين ، ومواء القطط الواقفة بعيداً في انتظار مأوى ما . .
– كل خميس آتي هنا ،
وتلاشى صوتها بين لغط المارة .
لكن المرأة الأخرى تتصرف كالخطيئة المبجلة ، وتتبخر كل هذه المشاهد ، وتتجول وحدها واليأس تجمع في رأسها كالنزيف .
عيناها نصف مغمضتين ، والصابون يتدفق على مساماتها ، فقاعاته تضيع على اللحم الأسمر العاري ، مددت ساقيها ، الزغب الأسمر مرشوش على ركبتيها .
( سأنظر في عينيها أولا ، وسأتعرف عليها ثانياً ، أريد أن أصدق انها أمامي ، فالوقت بين النظر والتعرف هو انفصال جديد ) .
تريد أن تبدأ من أصابع قدميها ، ستدغدغهما أولاً لترى ابتسامتها ، ربما ستصيح من الفرح ، أن الفرح كالموت وهي لم يبق لها إلا الموت ..
تستند على حائط الحمام وتغني أغنية شعبية قديمة ، تضع ملابسها المتسخة في طشت عتيق ، تدعكها بيدها وتستمر في الغناء .
ستجلسها أمامها وتنظر في عينيها أولاً ولا تنتظر اشارة في رفع الستار ، ستكون مثلها وحيدة .
ستحضر طعام القطة وصغارها كي لا تشوش عليهما بالمواء ، وستخرب جرس كل المنبهات وتجلس في انتظارها كطفلة في انتظار العيدية .
تعصر ملابسها ،
( سأعصر ركبتيها أولا ففي المرة الوحيدة التي رأيتها كانت ركبتاها تبدوان كثمرتين متوحدتين في شجرة شاهقة العلو ) .
تستند على الحائط قليلاً .
لن تضيئ النور القوي كي لا تنفر بسرعة ،
تقف بطولها وسط الحمام ويبدو ظلها سميكاً متوحداً ،
الصدر مثقل ،
الأكتاف عريضة ،
الورك ممتلئ ،
الافخاذ مشدودة .
الشعر مسدل بهيبة على الرقبة ، والرقبة ملساء ، والوجه يهب نفسه بأكمله الى نصف الدائرة التي ستأتي اليها بعد قليل .
( في الخميس الثاني لم تأتِ ، والثالث والرابع والخامس والسادس أيضاً ، كانت تهرع الى السوق وحرارة الظهيرة كانت تقترب من الخمسين درجة ، عيناها محتقنتان وبطنها مشرب برائحة العرق والشهوة التي لا تريدها أن تتبدد بعد أن اقتربت منها ) .
وكانت تنقض على الباعة وتصرخ بلا سبب من ارتفاع الأسعار وتشتري أشياء غير لازمة ، وتلتصق بالجدار هرة ، لسانها ناشف ، وجسدها متأجج، وفي البيت تظل أياما بلا طعام، وكعقاب على كل تلك الكآبات تحجب الطعام عن القطة وصغارها ، وتنظر في المرآة نفسها
(كبرت ستة أسابيع دفعة واحدة )
لم تعرف اسمها ، فقد كانت كل الاسماء تزدحم برأسها بالكابوس ، لم تعرف عنوانها فقد كانت كل العناوين تتناوب على هلاكها بالابتعاد عنها .
لقد تعرفا بشكل راعش وفي كل صباح كانت تكوم الشراشف على الأرض ، وترمي الوسائد على الحائط وتضرب رأسها بقبضة حادة وتشير على نفسها بأنها مفلسة .
بقيت بعد اللقاء الأول اسبوعاً لم تغتسل كانت تخاف أن ينمحي توقيع المرأة الأخرى من جسدها وكان كل خميس يحمل اليها الهزيمة وحرقة الوعود الباطلة ، ولما جلست مرة أخرى على ( التختة ) الخشبية كورت ساقيها على شكل مثلث ، وأسدلت شعرها وبدأت بالتمشيط ، رائحة الحناء والهيل المنقوع وبخار الماء الساخن ، والحضور الأنثوي تضرب بها بقوة ، كانت تريد أن تظل حية وفتية وعذبة .
( ستكون بمفردنا ولا أحد سيشك بنا ، الجيران سيقولون انها صديقتي ، والباعة سيبلعون ريقهم اذا دخلت ) .
من يسمعها تدندن سوف يظن بأن الفردوس سيهجم ، ومن يراها وهي تطلع من الحمام مطلية بالرائحة الحريرية يعرف انها ستعقد قرانها بعد قليل ، امرأة متوارية بطفولة سوداء ، ومراهقة ساذجة ، وشباب غير شجاع . .
امرأة تمرغت بالأسف وصارت عرضة للهبوط ، لكنها لم تكن تريد بتر حياتها ، لا تريد التلاشي كالبخار ولا السطوع كالنجم ، كانت تشرع فقط أن تصير قابلة للتواصل مع مخلوق ما ، قطة ، عنكبوت ، امرأة ، دغل ، ثعبان . .
وهذا المنفى آية العاب سحرية صارخة به ، واي يأس يأسر القلب والجسد ، وأية طريقة توصل الى الطمأنينة . .
في الخميس السابع ارتجفت كشجرة الرمان القصيرة الفروع وهي تنظر الى وجه المرأة الأخرى ، كان وجهها أبيض شمعياً .
– أتريدين الذهاب الى الشارع الخلفي ؟؟
وسارا معاً خيالان تعبا من التذكر واللوعة ، مرئيان ويقظان ، منبهران بالجحيم الذي سيدخلان اليه بعد قليل ، توقفا والمارة من حولهما كذبذبة مؤشر الراديو يقف وسط محطتين .
– عشية تركتك تركني زوجي ،
وكان الليل يتدفق منه هذا السواد النافذ ببطء والموجودات كفت عن اختراقهما والخوف هذا الحرام الذي يفرد وسطهما لم يداعبهما ، لقد كانتا كائنين لا نظير لهما .
– والاطفال ؟؟
– تركتهم عند أمي ،
– وأنت ؟
– أريدك ..
تناولت يدها ، كانت تقول في الغياب ، هيا كل شيء قد اكتشف ، ولكن الآن كل شيء قد بدأ ..
الخميس السابع ستلامس الإيدي بعذوبة أكبر ، أخذتها من يدها ، سارا في الشارع الخلفي ، ركبا سيارة الباص الكبيرة ، جلسا على مقعد واحد .
– أريد أن ألمسك الآن ..
– لا ليس الآن ،
أشارت الى دارها ونزلت المرأة ..
ستأتي الساعة الكاملة وستتذكر اي خجل أحاطوها بها من قبل .
منذ عدة أعوام اخترقتها الرجفة وطردتها كما تطرد كريات الدم البيضاء – الجراثيم ، لكن الدم لم يتسمم بيد انه سيتدفق مرة اخرى محملاً معه كل هذه الحشود من الاهتزازات .
بهتان كل هذا العمر الذي مر ، وبهتان كل هذا التاريخ العجوز ، وباطلة كل تلك الاتحادَات الصغيرة المبدوءة في مكان والمنتهية في مكان آخر.
وببطء أدارت رأسها في الغرفة، وجلست تنشف جسدها، استولى عليها استفهام أخرس ..
ماذا لو رفضت .. ماذا لو ودعتها بانكماش؟
يا له من مكر هذا الذي سوف يأتي من اشتباك الحرائق بعضها ببعض، قامت على عجل ارتدت منامة طويلة من الصوف الأحمر، تركت شعرها على كتفيها بعد أن عصرته، وتهالكت على الأريكة، كانت رائحة الحمام المليئة بالصابون والحناء والهيل تنتشر في الغرفة كنوع من البخور.
الروب سهل انتزاعه، والمنامة طويلة بأزرار في الصدر ولا شيء أكثر من ذلك ..
دفعت الباب بغتة، وأغلقته بهدوء من دون أن تقرعه ..
من؟
مدت المرأة الأخرى رأسها ..
أنتِ ..
أنا ..
كان وجهها كئيباً مهزوماً كأنها خرجت من فخ، ظلت واقفة، المرأة الأخرى تعب كل الموجودات بنظرة شاملة، رمَتْ عباءتها على الأرض وجلست فوقها، استندت إلى الحائط، أخذت نفساً عميقاً وخيل إليها أن الغرفة تضيق حتى تتحول إلى قبر، والمرأة ما زالت على الأريكة ساكنة كالملاك المذعور.
صامتتان هكذا أكثر من دقائق، متشنجتان لا تعرفان من أين تبدأ الأشياء ولا كيف سيكون هذا المساء خائفتان للمرأة الجالسة على الأرض تصطك ركبتاها ووجهها شلّته الحمى، والأخرى تدير رأسها ببطء وتلقي نظرات قلقة لكنها نهائية للكائن الأرضي الجالس بالقرب منها .
إن انتظار هذه الساعة عقد هذه الشراكة الجليلة ، أليس كل شيء في الأخير هو مجرد رغبات نقلد بها هذه الاتحادات التي لا نستطيع ممارستها إلا في الحلم ..
ومواء القطة يزيد عصبية المرأتين ،
– يا له من مواء انها جائعة ..
كيف يقولون أن الجسد يحال على المعاش ، هذا اللعاب المعقد في البلعوم والشرايين من أين يأتي ، ولعاب القطة أليس لديها عصب دموي ، أي تناقض بين وخز الدبوس وسياط – الأفكار ، وأي مغزى لانتصار كبير على قوة صغيرة ، اعتقدت المرأة أن اكتشاف السحر أقوى من السحر نفسه ، وعلى حين بغتة قامت وخيل إليها آنذاك أن الانخراط بالسحر هو تجميع للذرات الصغيرة التي كانت تتشابك في داخلها ، جلست على الأرض قرب المرأة الأخرى ، والمواء في الخارج صار يجزئ هذه المسرة الصغيرة ، أي تكريم هذا الذي ستعرف به نفسها وأي إغراء
جحيمي يفضي بهما إلى التمرد ، والقطة هذه المهارة الصغيرة في المراوحة على تخفيف النشوة كانت قد أطلت من النافذة بعينين مجروحتين وذنب مجنون ..
العطش والارتواء ، والجوع والشبع ، الليل ، والصباح ، الميلاد والموت ، الهرب والحضور ، يا له من اتحاد داكن رغم تناسقه ..
– هل مررت بالأطفال ؟؟
– زرتهم قبل أن آتي هنا ..
– وهو ؟؟
– الملعون تزوج فورا ..
– لم يقل لك لماذا ؟؟
– أجل ألا ترين صورتي الآن ، إنه يكره الحبالى،
– وهل أنتِ تعيسة ؟؟
– جداً ..
– ولكن لماذا، هل كنت تحبينه إلى هذا الحد ؟؟
– شحب لونها ، أن الحب لا يمكث إلا فترة وجيزة، فلتتجمد النهايات المبتذلة، والخيبات الكبيرة وليتعارف الناس بلا قانون، فكل شي يذكر بالشحوب ..
وتعود المرأة للكلام .
– ولكن أنا،
ازداد نبض المرأة ، وهطل مواء القطة، وطافت على الوجوه الثلاثة هذه اللدغة المستمرة، امرأتان يشير جسدهما على الامتلاء ، وقطة تبتكر أنواعاً من الصراخ لمشروع استقرارها .
– ما زلت أفكر به ، هل تعرفين كيف كان يراقبني وسط الناس ، وعندما نكون وحدنا وكيف يمتلكني وكيف يقودني ، انه يا أختي هلاك جميل لا نستطيع التظاهر بالتخلي عنه آه انظري إلى هذا الثوب، لقد اشتراه قبل القطيعة وقال لي وهو يمازحني، اجعليه سريع الخلع ، وكيف وكيف ..
– كفى، كفى، كفى ..
المواء الجنوني ، ودقات القلب الواجفة، والانفعال السريع، والذكريات التي تتوالى منذ ساعة وحتى الآن، والمطاردات الخفية بين لحظة الاشتهاء القصيرة، ولحظات – الخذلان الطويلة ، وظمأ القطة ، ووجع المرأة، ودافع هذا الغزو بين الثلاثة ..
تلتفت المرأة صوب النافذة ، تنظر إلى القطة بظفر ، كانت القطة تتفرس بالاثنتين تمسك المرأة الأخرى عباءتها ، تسحبها من تحتها ، وتجلس جيداً ، وحفيف ثوبها يتنهد بهذا الفرح العاري
وهي تشع ..
همست من بين أسنانها المرأة الأخرى ،
— ما أشد اقترابك مني ، ذراعك كذراعه ، عضلاتك قوية مثله ، ونظراتك طافحة بهذا السعير المحموم ..
تنقلب إلى الوراء وترفع رأسها الى النور ، القطة تبدأ بالتنهدات ، وخط أبيض يلمع بين الفم والفم وتتمتم الشفتان ..
القطة تطيش بزجاج النافذة ، تدخل مدماة ومحملة بشوق الجوع والظمأ
+++
عام 1974، نُشرت قصة ”ظل الرجل الغائب“ للكاتبة العراقية علياء ممدوح لأول مرة في
المجلة اللبنانية ’الطريق‘، ثم لاحقًا عام 1977 في المجموعة القصصية ”هوامش السيدة
ب“. وهي تُعتبر أول قصة قصيرة عربية تتناول صراحة الرغبة الجنسية
بين النساء بطريقة لا تُنسى من الجرأة والحسيّة.
للاطلاع على كل ما تنشره ليتيراتور ريفيو ، نرجو الاشتراك في نشرتنا الإخبارية هنا!