مرآة

Navigation

مرآة

قصة من المغرب
Mohamed Khalfouf

محمد خلفوف كاتب قصة قصيرة وشاعر ومترجم مغربي، من مواليد 1997 بمدينة خريبكة.

منذ مدة و انا أسير رغبة و احدة: الحصول على مرآة.    
 في الطريق إلى العمل أمر بمحل لبيع الأثاث ، فأقف أمام مرآة طويلة ذات إطار أسود. أنظر إلى نفسي لبضع ثوانٍ ثم أنصرف. و كذلك أفعل في طريق العودة. مع الوقت تحول التوقف أمام المرآة و النظر إلى عادة. 
  هكذا تَولدَتْ لديَّ رغبة شديدة في الحصول على مرآة.
   لطلما أحببت المرايا و النظر إليها. ليس فقط المرايا ، بل أي شيء له إنعكاس: كوب، ملعقة، إبريق، زجاج نافذة، واجهة محل... لكن كان لإنعكاس المرايا سحر خاص، يجعلني أنظر إليها مطولا، حتى دون ضرورة داعية لذلك. متأملا ملامحي العادية تماما، لوقت طويل جدا... حتى أنني كنت أجد مشاكل مع الحلاقين عندما ينتبهون إليّ و أنا أنظر إلى مراياهم أثناء الحلاقة.
   والدتي كانت تعاتبني كثيرا و أنا طفل على التحديق الطويل في المرايا، خصوصا مرآة دولابها، حيث كنت أتسلل إلى الغرفة و أجلس على حافة السرير: و أستغرق في التأمل. في إحدى المرات نزفتُ دما من أنفي . أمي أخبرتني أن شبح المرايا كان على وشك التهام روحي و أخذها معه إلى العالم الخفي من المرآة. بعد هذه الحادثة عشتُ حياتي بين خوف من المرايا، وانجذاب غريب نحوها.
 كُنْتُ بلا والدين أو إخوة أو أصدقاء أو امرأة... أعيش حياة وحيدة. لا شيء فيها يحسسني بالانتماء . كنت شخصا لامرئيا . وحدها المرايا كانت تمنحني الإحساس بأن لدي وجودا في هذا العالم، حتى وإن كان مجرد أنعكاس عابر على قطعة زجاجية.

 أكره النظر إلى مرآة الحمام الصغيرة ذات الإطار الأبيض المُصفر. أمامها أغسل وجهي، وأفرش أسناني، وأحلق ذقني، وأراقب مظهري قبل مغادرة المنزل. كانت تُظهر فقط جزئي العلوي. كأنني رأس وعنق فقط، أما الأجزاء الأحرى من الجسد فكأنها غير موجودة. لذلك كنت في حاجة شديدة لمرآة تُظهرني بشكل كامل لا جزئي. و كانت تلك المرآة الأنسب لذلك.
 كل يوم أمر أمام المحل، صباحا و مساءا، كل شهر، طوال فصول السنة... أقف و أنظر إلى المرآة. أحيانا كنت أبتسم لنفسي، و أحيانا أكتم تلك الإبتسامة... "هذا السروال لا ينتاسب مع القميص" ، "لم أحلق ذقني كما يجب اليوم"... أقول لنفسي و أنا أقف أمام المرآة. حتى عندما يمر المارة من ورائي فإنني لا أرى انعكاسهم، كان كل شيء يختفي من حولي فجأة : الناس، نفير السيارات، ضجيج الشارع، السماء، ثقل أكياس التبضع في يدي... عندها تعتريني تعاسة مفاجئة، كأنني أقف أمام قوة غامضة تجعلني أرى العالم... إحساس مرير بالذات أشعر كأن كائنا آخرـ شبح المرآة كما تلقبه أمي ـ يضع يده الثقيلة على كتفي، كأنه يريد أخذني معه إلى عالم المرايا. أنتفض فجأة ، فيعود إحساسي بالعالم من حولي.

 مثلما يحدث مع الحلاقين: أدرك تماما غيظ البائع كلما مررت من أمام المحل و توقفت أمام مرآته.
 رغم شغفي بالمرايا، لم أحلم يوما بمرآة... حلمت بكل شيء تقريبا، لكنني لم أرى يوما مرآة في أحلامي. لكنني في إحدى الليالي حلمتُ بها: المرآة ، مرآة محل الأثاث، تقف في ممر طويل ومعتم، و أنا أحاول الذهاب إليها لأرى انعكاسي عليها، لكنها كانت تبتعد أكثر فأكثر... وفي نهاية الحلم سطع نور قوي كسر المرآة إلى قطع و شظايا.
 ظل الحلم يرن في رأسي ليومين، حتى تشجعت و ذهبت لشراءها. دخلت المحل الذي بدا أكثر أناقة من الداخل. إنتبه البائع إليّ و قال:

ـ مرحبا يا سيدي! ماذا تريد؟ أريكة، دولاب، وسائد...؟؟؟
ـ أريد تلك المرآة التي أمام المحل.
   اشتريتُ المرآة. وأنا في الطريق إلى المنزل كنت سعيدا . لم يحدث أن كنت سعيدا بشراء شيء مثل هذه اللحظة.

 في المنزل وجدت نفسي حائرا في مكان وضع المرآة: في الصالون أم في غرفة النوم؟ لكنني انتهيت إلى وضعها في غرفة نومي. هكذا ستكون أقرب إليّ، و أكون أقرب إليها.. سأتمكن من رؤية نفسي بشكل كامل الآن،حتى و إن كنت عاريا، حتى و إن كنت وحيدا... حَملتُ المرآة ـ التي لم أعتقد أنها ثقيلة هكذاـ إلى غرفة نومي..
   أزحت قليلا منضدة الزينة. وضعت المرآة ، بين الباب و المنضدة، و تأهبت للنظر إلى المرآة كما أفعل أمام المحل... وقفتُ أمامها تماما..لكنني لم أرى انعكاسي في المرآة.